بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة على سيدنا و حبيبنا محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم.
لقدحث الله سبحانه وتعالى عباده بملازمة الدعاء و الاستغفار، ورغب فيهما لما لهما من فضل في تكفير خطايا المذنبين . ففي شأن الدعاء قال :
<< و قال ربكم آدعوني أستجيب لكم.. >> غافر الآية 60
<< وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان ..>> البقرة 185
وفي شأن الاستغفارقال :
<< و يا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه ..>> هود الآية 52
<< فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً >> النصر الآية 3
فقد جعل الله تعالى الاستغفار هو الخطوة الأولى لمن يريد أن يسلك طريق التوبة .
و عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
*** قال إبليس : وعزتك لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أروحهم في أجسادهم . فقال الله عز و جل : وعزتي و جلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني ***
وروي عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
*** ألا أدلكم على دائكم ودوائكم ، ألا إن داءكم الذنوب و دواءكم الاستغفار***
و نظراً لما للاستغفار من فضل عظيم فإن الله عز و جل قد أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالمداومة عليه ، على الرغم من عصمته من الذنوب واستقامته ، و ليس ذلك إلا ليبين لنا أن الاستغفار لا غنى لأحد عنه مهما كان تقواه وورعه .
و كان أكثر دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم :
*** اللهم اجعلني من الذين إذا أحسنوا استبشروا ، و إذا أساءوا استغفروا ***
و الاستغفار ينفع الأحياء كما ينفع الأموات ، وهو خير هدية يزفها العبد المؤمن إلى الأموات ، و إن عبداً يكثر من الاستغفار لميت ليدفع بذلك عنه كثيراً من العذاب، و سيصله ذلك الاستغفار أمثال الجبال .
ومما يروى في ذلك أن أربعة نفر من المسلمين جاءوا إلى الإمام الحسن البصري فدخلوا عليه الواحد تلو الآخر ، ولكل واحد منهم مسألته .
فقال الأول : إني أشكوا الفقر ..
فقال له : عليك بالاستغفار .
ودخل الثاني فقال : إني أشكوا عدم إنجاب الذرية ..
فقال له : عليك بالاستغفار
ودخل الثالث فقال : إن لي مزرعة قد أصابها الجدب و القحط ...
فقال له : عليك بالاستغفار .
ودخل الرابع فقال : أود أن الله لو يفجر لي أنهاراً في ضيعتي ...
فقال له : عليك بالاستغفار .
و لما انصرفوا سأل بعضهم بعضاً عما أجابهم به الحسن البصري فاكتشفوا انه أجابهم بنفس الجواب . فاندهشوا ، وقالوا : كيف تكون الأسئلة مختلفة و الجواب واحد ؟؟
فرجعوا وسألوه عن ذلك فقال لهم : لقد أجبتكم بلسان القرآن ، إن شئتم فاقرأوا قوله :
<< فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً .. >> سورة نوح 10-12
أي أن الاستغفار كفيل بأن يرضى الله عنكم ، وإذا رضي الله عنكم أعطى كل ذي حاجة حاجته، فيرسل عليكم المطر الكثير ، ويشرب منه الإنسان و الحيوان و النبات ، ويبارك لكم في أولادكم و يسد فقركم ، و يفجر لكم العيون و الأنهار فتحيون حياة طيبة.
و في هذا المعنى قال الرسول صلى الله عليه وسلم :
*** من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ، ومن كل ضيق مخرجا ، ورزقه الله من حيث لا يحتسب *** رواه أبو داود والنسائي
*** اللهم مغفرتك أوسع من ذنوبي، و رحمتك أرجى عندي من عملي ***